رابط المقال على الجزيره اونلاين
أدوات التواصل الاجتماعية بشتى أشكالها وأسمائها أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وطالت هذه الظاهرة الكبير قبل الصغير، نساء ورجالا, حتى باتت الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية جزءا من أجسادنا لا نتخلى عنها ولا للحظة واحدة!!.
تشير إحصائية صدرت عن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة وصل إلى 13.5 مليون مستخدم في أواخر 2011، وفي تقرير عن شبكات التواصل الاجتماعية لكلية دبي للإدارة الحكومية تشير إلى أن عدد حسابات تويتر 400 ألف حساب نشط، بينما نجد بالفيسبوك 4.5 مليون حساب، وتطول قائمة الأرقام دون أن نستثني البلاك بيري والواتس اب.
يعني نصف الشعب يتواصل مع بعضه البعض ومع العالم عن طريق الإنترنت، أي أن هناك 4 ملايين أسرة في المملكة 3 من أفرادها يملكون اشتراكا في الإنترنت، والأكيد أن أحد هؤلاء الثلاثة هو أحد الوالدين.
ما لفت نظري حقا هو وجود الكثير من الأمهات في شبكات التواصل الاجتماعية، ومن ضمنهم أمي، الذي عبر عنه البعض أن وجودهن قد يحد من حريته في استخدام الشبكات أو يجعله تحت المراقبة، بينما كان البعض الآخر سعيدا ومشجعا لوجود أمه وأنه ساعد على إيجاد موضوعات وحتى اهتمامات مشتركة، والبعض عبر بغيرة عن انشغال أمه بمتابعة هذه الشبكات، وهذا ما لا يناسب إحساسه بأنها له وحده، واختلفت آراء الناس حول مؤيد ورافض وكل له أسبابه.
لكن ما يجب أن نراعيه هنا ما هو تأثير هذه الشبكات على أمهاتنا أنفسهن؟
كيف أن سلوكهن تجاه هذه الشبكات سواء من ناحية تقبلهن لها وإقبالهن على المشاركة بها بات مثيرا للانتباه!!.
يوجد تقريبا مليون أم تستخدم الإنترنت وعندها حساب واحد على الأقل في إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، أي أنهن الجيل الأول من الأمهات الإلكترونيات السعوديات!!.
أذكر قبل عام كنت أشجع أمي على عمل حساب في تويتر ومتابعة الأخبار من خلاله بدلا من البقاء أمام شاشة التلفاز، ما لمسته من سلوكها وكيفية حماسها لشعورها أنها تغرد من قلب الحدث، وأنها تشارك بكلماتها حتى وان لم يكن ذا تأثير يذكر، حتى أصبحت تتفوق علينا جميعا في المشاركة والنقاش، جعلني أتساءل كم أم أخرى تملك حسابا في إحدى هذه الشبكات وهل هي حقا فخورة وتشعر بنفس الشعور؟!،
الأكيد أن الجوالات الذكية أدخلت الإنترنت من أوسع أبواب البيت: قلب الأم،
والأكيد أن شبكات التواصل الاجتماعية كانت المفتاح السري لفتح ذاك الباب الكبير،
الأكيد أن أمي أكثر سعادة بعد دخولها لهذا العالم الافتراضي وأكثر تواصلا وأكثر فهما وتفهما للرأي الآخر ولما يجري حولها..
وبالأخص نحن أبناءها وبناتها!.
جميع ما ذكرته أعلاه كنت أقلبه بعقلي فجأة وأنا أغلق وأشغل جهازي الجوال للمرة الألف عندما انقطع تويتر لمدة ساعة - في لحظة انفض المولد التويتري - ورجعت أمي لمشاهده القنوات الإخبارية الرسمية التي لم تعد تعني لها الكثير، هذا ما قالته بعد أن عاد تويتر للخدمة!.
الإجابة واضحة أمي وكثير منا اكتشف في تويتر ضالته..
نحن لا نتلقى الخبر .. الجيل الحالي الإلكتروني لا يكفيه أن يكون الطرف المتلقي فقط!، يريد أن يتفاعل مع الخبر، يريد أن يصنع الخبر! ، يريد أن يكون جزءا من كل شيء يدور حوله كما يجب أن يكون.
أخبرتني سيدة أن مشاركتها في الشبكات الاجتماعية وفر لها الشعور بالسعادة والعودة للحياة بعد أن سافر أبناؤها للدراسة وأصبحت وحيدة، وجدت في تغريداتها من يشاركها فرحها وحزنها ويملأ عليها فراغ وحدتها، وسهل عليها متابعة أبنائها بالخارج وكأنها تعيش معهم.
وأخرى تقول إنه ساعدها كثيرا في الوصول لشخصيات مؤثرة بحياتها، وأصبحت تتابعهم عن قرب، وتعرفت على أفكار جديدة لم تكن لتعرفها من قبل من خلال التلفاز فقط!.
وإحدى الأمهات أخبرتني أنها أصبحت اقرب لأبنائها الذين كبروا وأصبحت لهم حياتهم المستقلة، لم تدرك يوما ما يفكرون به أو كيف يتعاملون مع الآخرين إلا بعد أن دخلت هذا العالم وأصبحت تنظر لتصرفاتهم بمفهومهم هم لا هي.
وهناك المزيد من القصص التي لا تنتهي ولكنها كفيلة بجعلنا نتصور كيف لهذه الوسائل تأثير إيجابي حقيقي على أمهاتنا، فغالبيتهن إما ربات منزل أو موظفات أنهكهن الروتين فنسين أنفسهن.
وإذا كان هذا فعل الجيل الأول من الأمهات الإلكترونيات السعوديات، فأطلق لخيالك التفكير كيف سيكون حال وفكر وطريقة التواصل مع الجيل الثاني منهم؟.
الحقيقة علينا أن نشجعهن على الاستمرار، وخوض كل ما هو جديد في عالم التقنية بما يتناسب مع قدراتهن، فهن بحاجة إلى أن تنتعش عقولهن وقلوبهن بما يدور حولهن، وينتقلن من مرحلة المتلقي المقنن إلى المشارك الفعال، وهذا ما سينعكس إيجابا على سلوكهن مع باقي أفراد أسرتهن.
أمهاتنا اليوم ليسوا بحاجة إلى وجودنا بجانبهن فقط، بل لإشراكهن معنا هذا التطور السريع ، فطريق العلم لا يغلق أبدا إلا إذا قررنا نحن إلغاء مفتاحه!!.